أجريت التحقيق في وفاة أبو القيعان . إليكم الحقيقة
مقالة اوري كرمل
نشرت في صحيفة "هارتس" بتاريخ 11.08.2022
ترجمها "المحامي" الى العربية
اوري كرمل
يعلن مفوض الشرطة الإسرائيلية علنا - دون فحص مؤهل - أن مواطنا , معلما في إسرائيل , وأبا لعائلة , أنه مخربا إرهابيا قام عمدا بدهس وقتل الشرطي إيرز عميدي ليفي في أم الحيران في 18 كانون الثاني/يناير 2017. وتدعي أسرة المواطن، يعقوب أبو الكيان، أنه بريء ، وأن الصاق وصمة عار به لكونه "مشتبها به" سبب له الظلم ؛ وعندما تم تبديد الاشتباه به في التحقيق، كان ينبغي على المدعي العام للدولة إبلاغ أسرة المواطن المتوفى وتطهيره علنا من الدمغة اللتي الصقت به . هذا ليس ما جرى . كيف ؟
في مقال كتبه المدعي العام السابق شاي نيتسان، نشر في هذه الصحيفة في 1 أغسطس/آب، وكذلك في منشورات سابقة، كتب فيما يتعلق بمقتل أبو القيعان وليفي على النحو التالي: "أكدت أنه ليس من وظيفتي تحديد ما إذا كان المواطن بريئا أم لا ".
أليس من دور المدعي العام للدولة أن يبت في هذه المسألة؟ ألم يقرر هو ؟ وإذا ما اتخذ قرارا - كيف؟ والواقع أن أساس القرار في الجانب الجنائي اتخذ بخصوص فحص سلوك رجال الشرطة أثناء الحادث . ومع ذلك، في هذه الحالة الخاصة، وفي ضوء الإعلان المتسرع من قبل مفوض الشرطة آنذاك روني الشيخ علنا أمام كاميرات التلفزيون، حتى قبل بدء التحقيق في الحادث، بأن السائق المتوفى كان "إرهابيا مجرما"، كان على جهاز إنفاذ القانون فحص هذه المسألة والبت فيها أيضا . وهكذا فعلت.
عندما ظهرت تصدعات في إعلان الشيخ، في وقت مبكر من أول ما تم مشاهدة التوثيق المصور الوارد من الشرطة، أصدر نيتسان، بموافقة المدعي العام الدكتور أفيحاي ماندلبليت، تعليمات إلى قسم التحقيق مع رجال الشرطة ( ماحش) ، التي كنت أترأسها، ببدء عملية التحقيق في الحادث.
ثقافة الكذب
تمتد من قائد الشرطة الى اصغر رجال الشرطة
وبعد أن تم توضيح أن جهاز الأمن العام قد تخلى تماما عن التحقيق في الحادث خلال فترة زمنية قصيرة، أوضح النائب العام، خلال جلسة عقدت في مكتبه، أنه يجب على جهاز المخابرات العامة أن يصل , قدر الإمكان , إلى الحقيقة حول كل ما حدث في ساعات الصباح الباكر في قرية أم الحيران، بما في ذلك سلوك أبو القيعان قبل وأثناء الحادث. في ذلك الوقت، كان من الواضح لجميع المشاركين في العمل - المحققين والمدعين العامين ومسؤولي الاستخبارات وكبار الإداريين - أن القرار بشأن مسألة "هجوم نعم أو لا" كان مسألة مشحونة وحساسة - تتجاوز المسألة الخاصة للعائلتين الثكلى، اليهودية والعربية، التي قتل أحباؤها - فيما يتعلق بالعلاقات اليهودية العربية واستخدام سلطة الشرطة على أقلية سكانية، لا يقل توضيحها على أكمل وجه عن القرار المتعلق بسلوك ضباط الشرطة في الحادث. وتحقيقا لهذه الغاية، قامت "ماحش" ، في جملة أمور، بتعيين خبراء، وصياغة سلسلة من الآراء المهنية، وإجراء عمليات إعادة تمثيل الاحداث في مكان الحادث، وجمع الشهادات والأدلة، ولم توفر جهدا في التحقيق في الحادث.
نعم ام الحيران
وكان قد أجرى جهاز الأمن العام، وهو السلطة المختصة في دولة إسرائيل بفحص الحوادث ذات الطابع الأمني، كما جرت العادة، تحقيقا في مكان الحادث بعد الحادث مباشرة . وبعد أن أصبح لدى عناصره انطباع بأنه لم يكن هجوما على الإطلاق، انسحب جهاز الأمن العام من الصورة وسلم المواد التي بحوزته إلى وحدة التحقيق "ماحش" ، قائلا: "تم إرسال اليكم جميع الوثائق والمواد الاستخباراتية المتعلقة بظروف الحادث نفسه وأبو القيعان، وليس لدينا أي مواد إضافية كما هو مذكور". وفي وقت لاحق، ظهر الشخص المسؤول عن تحقيق جهاز الأمن العام أيضا وشهد أمام محققي "ماحش" على النحو التالي: "على أفضل تقديري وخبرتي المهنية، في ضوء النتائج على أرض الواقع، هذا على الأكثر حادث أو خطأ اثناء العملية وليس هجوما ".
وبطبيعة الحال، لم يكن جهاز الأمن العام ليفقد اهتمامه وينقل جميع المعلومات التي بحوزته إلى "ماحش"، لو لم يعتقد رؤساؤه أنه لا توجد أسباب معقولة للاشتباه في أنه كان "هجوما إرهابيا". ولذلك تظل "ماحش" الهيئة القانونية-المحققة المخولة الوحيدة في الجهاز التي حققت بشكل كامل في هذه القضية.
وفي نهاية تحقيق شامل، أشارت الأدلة إلى الاحداث التالية :
كان أبو القيعان جالسا في سيارته بالقرب من منزله، أعلى التل، وكانت السيارة محملة بالمعدات التي تم إخراجها من المنزل، ومحركها يعمل، ونوافذها مغلقة وأطفأت أنوارها. بعد أن وجه احد رجال الشرطة مصباحا يدويا باتجاه السيارة، شغل أبو القيعان أضواء السيارة وبدأ يقود ببطء على الطريق الترابي على طول طريق الخروج من منزله، الذي كان يسير عليه رجال الشرطة في ذلك الوقت. عند هذه النقطة، أمر رجال الشرطه أبو القيعان بالتوقف، حتى أن أحدهم ضرب على السيارة بقصبة سلاحه.
كان الاستنتاج الواضح هو أنه لتقدمه في العمر ، لم يشعر أبو القيعان بإطلاق النار الذي ثقب إطارات سيارته ، التي بدأت تفرغ من الهواء ، لأنه من غير المرجح أن يواصل قيادته البطيئة كما لو أن شيئا لم يحدث.
من غير المعروف ما إذا كان أبو القيعان قد أدرك بحواسه ما كان متوقعا منه ، لكنه على أي حال لم يستجب للنداءات والإشارات للتوقف. بعد ذلك، وبينما كان يقود سيارته ببطء أمام الضباط، مع إضاءة أضواء السيارة، أطلقت أعيرة نارية على الإطارات التي تم اصابتها، لكن أبو القيعان واصل رحلته البطيئة في رحلة قصيرة أخرى، لم يشكل فيها أيضا أي خطر على ضباط الشرطة.
كان الاستنتاج الواضح هو أنه لتقدمه في العمر ، لم يشعر أبو القيعان بإطلاق النار الذي ثقب إطارات سيارته ، التي بدأت تفرغ من الهواء ، لأنه من غير المرجح أن يواصل قيادته البطيئة كما لو أن شيئا لم يحدث .
أستبق وأشير إلى أنه في مرحلة لاحقة من التحقيق (كما هو مفصل أدناه)، كشفت شهادة مفوض التحقيق في جهاز الأمن العام وتقريره أيضا أنه بينما استمرت السيارة في التحرك ببطء، على الرغم من إطلاق النار على إطاراتها، قام الشرطي نفسه, هذه المرة متعمدا , باطلاق النار على أبو القيعان من مسافة قريبة، وأنه حتى قبل الدهس، تم فتح نيران كثيفة من جميع الأطراف في اتجاهه . فقط بعد إطلاق النار المتعمد هذا بدأت السيارة في التسارع والانزلاق أسفل المنحدر الحاد .
في الواقع، وجد تشريح الجثة جرحا برصاصة في جسد أبو القيعان اخترق ظهره وخرج من صدره، وجرحا آخر برصاصة اخترق فخذه الأيمن.
فيديو من قبل الشرطة نشرته "عدالة" يوثق لحظات اطلاق النار على مركبة ابو القيعان وما نتج عن ذلك
ومن أجل فحص كيفية تصرف مركبة في الموقع , فقد سائقها السيطرة عليها، أجرى "ماحش" عملية إعادة تمثيل في مكان الحادث، حرص فيها على المقارنة الدقيقة لحالة مركبة إعادة التمثيل (التي كانت مطابقة لسيارة أبو القيعان) مع الظروف السائدة في الوقت الفعلي في الموقع ، بما في ذلك خفض ضغط الهواء في إطاراتها اليسرى (التي أصيبت بالرصاص). اوقفت السيارة بالضبط عند النقطة التي بدأت فيها ، وفقا للقطات الفيديو من الحادث ، في التزلج على المنحدر . عندها تبين أنه , دون أن يلمس السائق عجلة القيادة أو الدواسات، مع عدم التحكم في السيارة على الإطلاق، كان قد تدحرج إلى أسفل المنحدر الحاد وانحرف بالضبط على طول المسار الذي تزلجت به سيارة أبو القيعان، وصدم بقوة المخاريط البلاستيكية الموضوعة لصالح إعادة التمثيل في الموقع المحدد الذي كان فيه رجال الشرطة الذين أصيبوا فيه.
ولذلك فإن النتائج الموضوعية لإعادة التمثيل تتفق تماما مع احتمال إصابة سائق السيارة بإطلاق النار الذي استهدفه، مما أدى إلى فقدانه السيطرة على السيارة التي كانت تنزلق إلى أسفل المنحدر الحاد واصطدمت برجال الشرطة الذين كانوا على المسار المنحدر .
وبالإضافة إلى إعادة التمثيل، جمع التحقيق أدلة كثيرة تشير إلى براءة أبو القيعان: قال ابن أخيه إنه قبل وقت قصير من الحادث، ساعد عمه على إخراج الحقائب المحملة بالملابس والمعدات والتلفزيون من منزله المقرر هدمه؛ وبالفعل، تم العثور داخل سيارة أبو القيعان على هذه الأشياء التي تثبت أنه كان منشغلا في إخلاء المنزل وليس في التحضير ل "هجوم إرهابي". كانت مراسلات أبو القيعان ,في هاتفه النقال , كلها باللغة العبرية – وهي حقيقة تدعم ادعاء جهاز الأمن العام بأنه لم يكن شخصا قوميا أو متطرفا. كما تزامن ذلك مع محتوى من جهاز الكمبيوتر الخاص به وهاتفه، مما يشير إلى أن لديه العديد من علاقات العمل الودية مع اليهود كجزء من عمله كمعلم.
وأشار الامر الأخير على الهاتف إلى تدريب المعلمين الذي كان من المفترض أن يحضره صباح يوم وفاته في كلية "حمدت هادروم" في نتيفوت . قال ابن أبو القيعان، الذي استجوبه عملاء جهاز الأمن العام في مكان الحادث، إن والده لم يصلي في المسجد منذ عدة سنوات، وإن والده أخبره أنه لا يوجد شيء يمكن فعله بشأن عمليات الهدم وضد الحكومة . قبل حوالي عشر دقائق من الحادث، تحدث أحد الشهود مع أبو القيعان، الذي أخبره أنه لا يريد العنف . في المواد المستخرجة من جهازي كمبيوتر عثر عليهما في منزل أبو القيعان وفي تقارير عن تصفح الإنترنت من تلك الحواسيب، "لم يتم العثور على محتوى غير عادي".
وأخيرا، حتى ان تقرير جهاز الأمن العام من تاريخ الحادث , ذكر أنه "لا توجد نوايا معلومة لمقاومة عنيفة ضد قوات الشرطة إذا تم تنفيذ عملية إخلاء، وأن الأسرة مهتمة بالتوصل إلى تسوية قانونية بمساعدة المحامين".
وغني عن القول إن أبو القيعان لم يكن لديه إدانات سابقة. وبالإضافة إلى ذلك، كان هناك توافق شامل بين جميع الهيئات المهنية، بما في ذلك المدعي العام للدولة في ذلك الوقت، على أن رجال الشرطة الذين عملوا في مكان الحادث قدموا تفاصيل كاذبة في استجواباتهم، والتي تم تفنيدها ، من بين أمور أخرى، بأدلة موضوعية.
هذا الأساس الواسع والواضح للأدلة، الذي لم يترك أي أساس للاشتباه ضد أبو القيعان، تم سرده بالتفصيل في توصيات "ماحش" ، والتي للأسف لم يقدمها مكتب المدعي العام للدولة على الإطلاق إلى المحكمة العليا. وبالتالي، لم يتم تناول أي من هذه الأدلة, التي بمقدورها التبرئة , التي تم جمعها, في الحكم الصادر.
في مواجهة هذه البنية التحتية الصلبة ، بقيت الحقيقة أن السيارة لم تتوقف على الرغم من صراخ واشارات رجال الشرطة. وفي الواقع، اعتقد محققو شرطة "ماحش" أيضا في البداية أن الأدلة كانت مشبوهة بشأن أبو القيعان. لكن قيادة المركبة ببطء شديد، مع إضاءة الأنوار، مع سير ضباط الشرطة على جانبي مسار قيادته، دون تعريض أحد للخطر، ودون التسارع حتى بعد إطلاق النار على إطارات سيارته، يشير إلى أن سائق السيارة لم يلاحظ حتى علامات التحذير بسبب النوافذ المغلقة للسيارة، ولم يخطر بباله أن طلقات تحذيرية كانت تطلق على إطارات سيارته. امكانية بديلة ، إذا كان قد سمع السائق نداءات رجال الشرطة، فيبدو أنه اراد فقط مغادرة المنطقة دون تأخير أو إزعاج. ومع ذلك، فإن هذا السلوك لا يتسق مع النوايا القاتلة من جانبه.
لإكمال الصورة، وبصرف النظر عن عدم استجابة أبو القيعان لأوامر رجال الشرطة بالتوقف، تم العثور على ثلاثة أعداد (متطابقة) من صحيفة "يسرائيل هيوم" لعام 2015 بين ممتلكاته، والتي ظهر فيها، من بين أمور أخرى، مقال عن هجوم دهس - أدلة لم ينسب إليها جهاز الأمن العام أي وزن، فضلا عن كتاب ديني إسلامي يحمل علامات مختلفة كتبها شخص آخر. هذه ادلة وزنها أبعد ما يكون من اشتباه معقول، وعلى أي حال، فإن جهاز الأمن العام نفسه لم يعتبرها أساسا لمزيد من التحقيق.
على أي حال، كانت هذه "المؤشرات" ضعيفة الى ابعد حد مقارنة بالكم الهائل من المعلومات التي تم تلقيها من جهاز الأمن العام الإسرائيلي والتي تم جمعها في تحقيق "ماحش"، والتي تفيد بأن أبو القيعان كان مواطنا إسرائيليا عاديا، كرجل عائلة ومعلم.
يعقوب
وفي ضوء ما تقدم، فإن الكل - المحققون ومسؤولو الاستخبارات والمدعون العامون ومديرو جهاز المخابرات العامة، ورئيس تحقيق جهاز الأمن العام، والنائب للشؤون الجنائية، وهو أعلى مسؤول جنائي محترف في مكتب المدعي العام للدولة - يعتقدون أن أبو القيعان تصرف بطريقة "بريئة"، على حد تعبير نائب وزير الشؤون الجنائية، ولم يكن ينوي دهس رجال شرطة.
وعلى أفضل ما أتذكر، وافق المدعي العام للدولة في ذلك الوقت أيضا - في جلسة استماع حول هذه المسألة - مع تحليل نائبه، المحامي شلومو (مومي) لامبرغر، على أنه لو بقي أبو القيعان على قيد الحياة، لكان ملف التحقيق ضده قد أغلق على أساس "عدم الذنب" وليس بسبب "نقص الأدلة". ثم تم محو القضية المرفوعة ضده من سجلات الشرطة وتبددت تماما من حوله الوصمة التي الصقت به .
مع العلم ان في هذه المرحلة - وما زال لم تكتمل القضية بعد - كان أيضا طرفا آخر، خارج مكتب المدعي العام للدولة، تم اعلامه بشأن الاتجاه الواضح للتحقيق الذي أجرته "ماحش" ، وهذا لم يكن مطابقا لموقفه وتوقعاته.
وفي أحد الأيام، اتصل مكتب المستشار القانوني لجهاز الأمن العام ب "ماحش" وأفاد بأنه تلقى طلبا عاجلا وغير عادي من مكتب المفوض الشيخ، يطالب فيه بمراجعة وثيقة داخلية وسرية لجهاز الأمن العام مكتوبة عن الحادث في أم الحيران، وهي وثيقة لم يتم إرسالها إلى "ماحش" . يجدر التأكيد أن طلب المفوض العام هذا يعد تجاوز للخط الأحمر : رئيس الجسم المحقق معه ( الشرطه ) يتجاوز الجسم الذي يجري معه التحقيق ( ماحش ) ويحاول جمع معلومات سرية حول التحقيق من طرف ثالث (شاباك) ، ومع العلم ان موظفوه شهودا في التحقيق! وبناء على ذلك، قام مكتب المستشار القانوني لجهاز الأمن العام بطلب تعليماتي.
وينبغي توضيح أنه قبل هذا الطلب المقدم من جهاز الأمن العام إلى "ماحش" ، لم يكن أحد في "ماحش" على علم بوجود مثل هذه الوثيقة الداخلية في جهاز الأمن العام . حتى لا يتعطل التحقيق ، الذي لم يتم الانتهاء من معالجته بعد. وفي الوقت نفسه، أصدرت تعليماتي بإحالة الوثيقة الداخلية والسرية لجهاز الأمن العام الي لاستعراضها .
وكشف فحص للوثيقة لأول مرة عن أدلة موضوعية (ذكرتها أعلاه، ولكنها لم تصل إلى "ماحش" حتى ذلك الوقت)، تفيد بأن الشرطي الذي أطلق الرصاصات كان قد اعترف بالفعل في مكان الحادث لمفوض جهاز الأمن العام (المعروف أيضا باسم "زياد")، بأنه بعد وقت قصير من إطلاق النار على عجلات السيارة التي كان يقودها ببطء، أطلق رصاصة أخرى، استهدفت السائق من مسافة قريبة، دون أن يشعر هو أو أي من أصدقائه الذين كانوا بجانبه بالتهديد، وبينما كانت السيارة تسير ببطء. ووفقا لشهادات جهاز الأمن العام، فإن محققا آخر (يدعى "طارق") كان في مكان الحادث ووثق أقوال رجال الشرطة في الوقت الفعلي، وغادر في ذلك الوقت، ولم يسمع اعتراف الشرطي الذي أطلق النار، وعلى أي حال لم يسجله في مذكرة ما كتبه، والتي تم تسليمها إلى جهاز المخابرات العامة في بداية التحقيق. وكان مفوض التحقيق ("زياد") هو الذي وثق اعتراف الشرطي الذي أطلق النار مساء ذلك اليوم، في تقريره النهائي، والذي لم تعلم "ماحش" بوجوده إلا في مرحلة لاحقة، نتيجة لمحاولة الشيخ التدخل في التحقيق. وغني عن القول إن هذا الدليل الجوهري، الذي ورد في وقت متأخر، توافق مع تراكم الأدلة المذكور أعلاه، والتي تفيد بأن السائق الراحل أبو القيعان أصيب بالرصاص قبل أن تبدأ السيارة في التسارع نحو الأسفل، كما عززت إلى حد كبير التقييم القائل بأن الشرطي الذي أطلق النار، وهو مرتكب الحادث، أعطى رواية كاذبة لمحققي "ماحش".
لم يشكل تهديدا لهم ولكن اطلقو النار عليه
بعد فحص الوثيقة المذكورة، بعد أيام قليلة من إدلاء عملاء جهاز الأمن العام بشهادتهم أمام محققي "ماحش"، كتب وزير الأمن العام في ذلك الوقت، جلعاد إردان، إلى المدعي العام والنائب العام، واسمعهم ادعاء سبق الاستماع إليه من المفوض الشيخ، والذي يفيد بأن جهاز الأمن العام لديه معلومات تشير إلى أن أبو القيعان كان يخطط لتنفيذ هجوم . أصدر مكتب المدعي العام للدولة تعليمات إلى "ماحش" للتأكد مما إذا كان هذا صحيحا بالفعل، وفي نهاية الفحص، أوضح جهاز الأمن العام في رد مكتوب بهذه اللغة : "ليس لدينا في حوزتنا أي مواد أو معتقد أو معلومات أخرى تفيد بأنه كان هجوما مخططا له أو يعتقد أن يعقوب أبو القيعان كان يستعد للهجوم".
قبل أسبوع من هذا الرد من قبل جهاز الأمن العام على هذه المسألة، أفاد مراسل الشؤون القانونية في "اخبار 12 " "غاي بيليغ" أن الشيخ كان يتهم إدارة "ماحش" بإخفاء "وثيقة جهاز الأمن العام" التي يبدو منها - كما يزعم - أن الحادث الذي وقع في أم الحيران كان بالفعل "هجوما إرهابيا"، كما أعلن الشيخ في يوم الحادث. وبحسب التقرير، قال الشيخ إن "ماحش أخفت من ملف التحقيق وثيقة جهاز الأمن العام الإسرائيلي الحساسة والدراماتيكية"، وإن اختفاء الوثيقة يرقى إلى "تلفيق الأدلة وعرقلة التحقيق".
في ضوء الوصف أعلاه، من الواضح أن المفوض (الذي ترأس الهيئة التي تم التحقيق معها، وحتى انه كان ضليعا شخصيا في الامر ) اتهم إدارة "ماحش" علنا وفي ساعات المشاهده القصوى، باتهامات خطيرة لا أساس لها من الصحة: أولا، من المؤكد أن "ماحش" لم تخف وثيقة جهاز الأمن العام، حتى لسبب بسيط هو أن أيا من موظفيها لم يكن على علم بوجودها . ثانيا، عندما تم تقديم الوثيقة إلى "ماحش"، كشفت عن العكس تماما من اتهام الشيخ، أي أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي قدر أن الحادث في أم الحيران لم يكن هجوما.
دعونا نعود إلى معالجة القضية: على الرغم من الإجماع المهني السائد في مكتب المدعي العام للدولة بشأن موقف "ماحش" ونائب الشؤون الجنائية على أن المسوغ "انعدام الذنب" لائم قضية أبو القيعان، أوضح المدعي العام نيتسان في قراره (المنشور في 1 مايو 2018، بعد يوم من تقاعدي من منصبي كمدير "ماحش") أنه لا يمكن البت في مسألة ذنب أبو القيعان "بدرجة عالية من اليقين". في هذا القرار، صحيح ان المدعي العام للدولة لم ينضم إلى "إدانة" أبو القيعان وفقا لإعلان الشيخ المتسرع، لكنه امتنع في الوقت نفسه عن التعبير عن عدم جدواها، تاركا بذلك الوصمة على اسم أبو القيعان.
وبصفتي شخصا مارس القانون الجنائي وتخصص فيه لجيل كامل، فإن اختبار "درجة عالية من اليقين" - الذي اختاره المدعي العام للنظر في قضية أبو القيعان كمشتبه به في هجوم - لم يكن مألوفا بالنسبة لي . إن الاختبار المتبع , والمقبول منذ القدم في القانون الجنائي , للنظر في قضية المشتبه به جنائيا هو " أساس معقول للاشتباه". وفي حالة عدم وجود أساس معقول للاشتباه، يجب تبرئة اسم المشتبه به . لذلك، في حالة أبو القيعان، واجهت لأول مرة قرار ترك شبهة ضد شخص (توفي في هذه الحالة ولم يستطع الدفاع عن نفسه) على أساس اختبار قانوني مبتكر.
وأنوه الى أن المدعي العام للدولة لم يعرض, في أي مناقشة أو منتدى شاركت فيه , المسوغات والأسباب التي دفعته إلى الانحراف عن توصيات الطاقم المهني برمته، وعن الاختبارات القانونية المقبولة والمتبعة، المنصوص عليها أيضا في تعليمات المدعي العام للدولة نفسه.
في وقت لاحق ، في سبتمبر 2020 ، بعد جدل أعاد وضع القضية على جدول الأعمال العام ، قرر وزير العدل في ذلك الوقت تكليف مفوض الرقابة على النيابة ، القاضي ديفيد روزين ، بإجراء تحقيق في الطريقة التي تعامل بها مكتب المدعي العام للدولة وماحش مع الادعاء الذي أثير في ذلك الوقت بأن أبو القيعان ، الذي قتل برصاص الشرطة في حادث في أم الحيران ، نفذ هجوما إرهابيا خلال ذلك الحادث .
وعلى الرغم من أنني كنت قد تقاعدت قبل سنوات، فقد اتصل بي المفوض وطلب مني أن أقدم له وجهة نظري المهنية كرئيس ل "ماحش" في ذلك الوقت، وهكذا فعلت . لقد راجعت على نطاق واسع نسيج الأدلة التي تشير بوضوح إلى براءة أبو القيعان وعدم وجود أساس معقول للاشتباه المنسوب إليه، وانتقدت الاختبار القانوني غير العادي وغير المقبول ("درجة عالية من اليقين") الذي اختار المدعي العام للدولة من خلاله إدامة الشك ضده، وأوضحت أنه في ضوء الموقف الذي تم اتخاذه في المناقشات الداخلية بشأن "عدم ذنب" أبو القيعان، لم أتمكن من تحديد مسوغ قانوني أو واقعي معقول لتبرير ترك سحابة ثقيلة فوق صورة أبو القيعان.
بيد أن المدعي العام للدولة قدم في ذلك الوقت أيضا ردا بالنيابة عنه إلى المفوض، اعترض فيه على أن يبت المفوض في النزاع الذي نشأ بيننا بشأن هذه المسألة (الذي احيل، كما ذكر، إلى قرار المفوض بمبادرة من وزير العدل). واستند الاعتراض إلى أن المحكمة العليا كانت في ذلك الوقت تنظر بالفعل بالتماس أسرة أبو القيعان، الذي ناقش، في جملة أمور، مسألة ما إذا كان الهجوم قد نفذ أم لا، ووفقا للقانون، يجب على المفوض الامتناع عن التحقيق في شكوى في مسألة لا تزال معروضة على المحكمة. ولذلك، أوضح أالمفوض أنه لن يبت في النزاع، واختار أن يصف موقف "ماحش" في القضية بأنه ك"موقف المحامي كرمل الحازم، الذي يستند في حد ذاته إلى مبادئ قانونية متجذرة ومتأصلة في الأحكام المتسقة التي صدرت عن المحكمة العليا" (على حد تعبيره)، وترك القرار للمحكمة العليا وفقا لطلب المدعي العام للدولة.
ولذلك نظرت المحكمة العليا في المسألة كجزء من التماس أسرة أبو القيعان. وفي مرحلة ما، طلب مقدمو الالتماس أن يعرض على القضاة تقرير الرأي الذي أعطيته لمفوض الرقابة على النيابة من أجل المساعدة في توضيح الحقيقة في القضية.
علما أن مكتب المدعي العام للدولة اعترض على تقديم تقرير رأيي، الذي تضمن مجموع الأدلة على النحو السالف الذكر، على أساس أن الوثيقة التي كتبتها أعدت لغرض التوضيح أمام المفوض، ومن ثم فهي غير مقبولة كدليل في أي إجراء آخر (وفقا لقانون المفوضية). وهكذا، فقد منعت إمكانية الاستعانة لتوضيح الحقيقة بنقرير "ماحش" ، وهي الوحيدة التي قدمت وحللت جميع الأدلة التي جمعت في القضية - أولا في تحقيق المفوض ومن ثم في المحكمة العليا، وظلت حجرا ساكنا .
وفي وقت لاحق، نشر قرار المحكمة العليا. وأوضح القضاة عزوف المحكمة المتأصل عن التدخل في قرارات النائب العام للدولة في مثل هذه الأمور، مشيرين إلى أنه ليس من نهجهم في مثل هذه القضايا الدخول في تعقيدات الأدلة، وأنه يتم فحصها فقط في ظاهر الأمور. وعلى حد تعبير المحكمة: "ستجرى المراجعة القضائية في هذه القضايا خارجيا لمواد الإثبات الخام". في الواقع، في هذه الحالة أيضا، أجريت المراجعة القضائية "دون الخوض في تعقيدات المواد الاستدلالية الخام، وعلى مستوى أعلى قليلا من التبسيط". وشددت المحكمة العليا على أن توصيات "ماحش" لم تقدم إليها، وأنها لم تبت في النزاع الذي نشأ بين المدعي العام للدولة ورئيس "ماحش" (الموقع أدناه) بشأن ما إذا كان هناك مجال لاتخاذ قرار بأن المتوفى لم يرتكب عملا إرهابيا.
في هذه الظروف، وبعد أن حدد القضاة النقطة الرئيسية في الالتماس، طلب الأسرة الأمر بإجراء تحقيق ,تحت التحذير , مع رجال الشرطة، وبعد رفض هذا الطلب، كتبوا في قرارهم بأن "الإجابة على سؤال ما إذا كان هجوما بالدهس، على الرغم من أن له تداعيات على مسائل مختلفة، هي غير مطلوبة".
رسالة المحامي
ومن الواضح أن قضاة المحكمة العليا اختاروا التأكيد بحذر واجب على أنهم لم ينكشفوا لتقرير رأي "ماحش" فليس لدى القاضي سوى ما تراه عيناه . وعلى أية حال، يخلو قرار الحكم من أي أثر للأدلة العديدة التي تشير إلى براءة أبو القيعان. وفي ظل هذه الظروف، فإن محاولة المدعي العام السابق الاعتماد في مقاله في هذه الصحيفة (وفي العديد من المقابلات التي أجراها مع وسائل الإعلام) على قرار حكم المحكمة العليا في القضية لا تعكس بدقة ما كتب في الحكم - وخاصة ما كان غائبا عنه - ولا تكشف عن المراجعة القضائية المحدودة والمترددة بالضرورة التي اتخذها القضاة فيما يتعلق بقراره في القضية، في ضوء الكم الهائل من المعلومات التي لم تقدم لهم.
فماذا اذا كان لدينا ؟
مفوض الشرطة السابق الشيخ لا يزال يدعي حتى يومنا هذا أن أبو القيعان كان "إرهابيا مجرما". والمدعي العام السابق للدولة لا يوافق على ذلك ولكنه لا ينكره، على الرغم من أنه، بصفته رئيسا مباشرا لي، وبموافقة النائب العام، كلف مدير "ماحش" بقيادتي بالتحقيق في المسألة إلى أقصى حد وإبداء رأيي له. وفي نهاية التحقيق، اختار المدعي العام، نيابة عنه، تجاهل توصية "ماحش" بشأن أبو القيعان، والتي أيدها موقف جميع الهيئات المهنية.
في النهاية، وعلى عكس ما قاله، من المؤكد أن المدعي العام للدولة اتخذ قرارا بشأن هذه المسألة: فقد قرر أنه من المستحيل اتخاذ قرار "بدرجة عالية من اليقين"، واليوم يدعي مرارا وتكرارا أنه لم يكن من وظيفته أن يقرر ما إذا كان أبو القيعان بريئا أم لا (على عكس موقفي المستهجن : إن لم يكن هو - إذن من؟ ) . وقام المدعي العام للدولة بمنع مفوض الرقابة على النيابة، القاضي روزن، الذي كان من المفترض أن ينفذ أمر وزير العدل ويتحقق بالضبط من كيفية التعامل مع قضية أبو القيعان، على أساس أن المسألة ينبغي أن تنظر فيها المحكمة العليا؛ وأوضح قضاة المحكمة العليا أن توصيات "ماحش" ورئيسها لم تقدم إليهم على الإطلاق، وأنهم لن يكونوا مطالبين بالنظر "بالنزاع الذي وقع بين المدعي العام للدولة ورئيس "ماحش" ... وفي اساسها السؤال ما إذا كان من الجدير اتخاذ قرار صريح من جانب المدعي العام بأن المرحوم لم يرتكب عملا إرهابيا".
هل حقا نحن أمام طريق مسدود ؟
لو سألوني عما يجب فعله الآن، لكنت اقترحت إيجاد طريقة والتصرف فورا للوفاء بالواجب المهني والقيمي والأخلاقي لسلطات إنفاذ القانون : واجب إزالة الوصمة التي تم الصاقها بشكل غير قانوني باسم أبو القيعان الجيد، وتبديد السحابة التي لا تزال تحوم فوق عائلته في ضوء قرار المدعي العام السابق المؤسف .
إن تصحيح الظلم، حتى لو كان متأخرا، قد يجلب بعض الراحة لعائلة أبو القيعان، وقد يعزز ثقة الجمهور في جهاز إنفاذ القانون، وهو أمر ضروري بشكل خاص في هذه الأوقات العصيبة.
وعلى وجه الخصوص، أود أن أشير إلى كلمات الدكتورة أمل أبو سعد، أرملة أبو القيعان، التي نشرت صورة لوجهها وهي ترتدي غطاء رأس أرجواني على غلاف ملحق صحيفة "هآرتس" قبل حوالي خمس سنوات (12 أيار/ مايو 2017)، إلى جانب اقتباس منها: "يمكن لأي إنسان أن يرتكب خطأ. ومن يرتكب خطأ عليه أن يعتذر".
شغل الكاتب منصب رئيس "ماحش" من 2011 إلى 2018
اقرأ ايضا في هذا الموضوع قرار المحكمة العليا بالالتماس لتحرير جثمان يعقوب ابو القيعان